لم يتوقف الدور الخليجي في اليمن بشكل عام والسعودي بشكل خاص منذ عقود، ففي عهد الرئيس السابق علي عبدالله صالح كانت السعودية ودول الخليج داعمين لنظامه في إطار ما يرونه من دور لليمن يجب ألا يتجاوزه سياسياً واقتصادياً، وبخاصة ما يتعلق بقضايا الحدود اليمنية السعودية، وسيطرة السعودية على بعض المناطق الحدودية.
وبعد ثورة 2011 في اليمن، استمر الدور الخليجي، وتمثل في الدعم الاقتصادي لنظام الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي وسط دراية كاملة من النظام السعودي بحجم الفساد الذي طال المساعدات الخليجية لليمن بعد الثورة، وكان ذلك أحد أسباب التذمر في اليمن، وأهم نقاط الضعف التي استغلها الحوثيون.
أساءت الدول الخليجية التقدير بشأن قرارها أواخر مارس 2015 الدخول في حرب من أجل السيطرة على الوضع في اليمن، فبعد ما يزيد عن عامين، لازالت الحرب مفتوحة، ولم تحسم بعد لصالح أحد الأطراف المتنازعة، فالتحالف الخليجي تواجهه إيران بدعمها المفتوح أيضاً إلى تحالف الحوثيين مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح.
يصنف اليمن ومنذ عقود ضمن الدول الأشد فقراً أو الأقل نمواً، وفق تصنيف البنك الدولي، وكان في أمس الحاجة للحفاظ على ما لديه من بنية أساسية ضعيفة. وبعد شن التحالف الخليجي لهجماته على اليمن واستمرار الحرب إلى الآن سجلت البلاد تراجعاً في مستوى المعيشة وزادت معاناته الاجتماعية والاقتصادية.
فبحسب تقديرات البنك الدولي، فإن الناتج المحلي الإجمالي باليمن تراجع بنسبة 40% نهاية عام 2015، وفق تقديرات تقرير الآفاق الاقتصادية 2017، ويشكو البنك الدولي من انقطاع البيانات والإحصاءات عن الاقتصاد اليمني.
كما أن عدد من يعانون من انعدام الأمن الغذائي يقدر بنحو 17 مليون فرد في مارس 2017، أي قرابة 60% من إجمالي سكان اليمن، ويصل تعداد من يعاني من انعدام الأمن الغذائي الشديد إلى 7 مليون فرد. يضاف لذلك أن 80% من السكان الذين يعيشون في اليمن حالياً بحاجة إلى مساعدات إنسانية، وبلغ عدد المشردين قسرياً داخل اليمين 2.8 مليون إنسان، وأغلقت الحرب نحو 1600 مدرسة، وحرم نحو 3 ملايين طفل من التعليم.
1- القتل والتشريد: من أكبر الجرائم التي تنتج عن الحروب ما يتعرض له الإنسان من قتل وتشريد ومهانة ومعاناة حياتية. وحسب إحصاءات الأمم المتحدة بنهاية عام 2016، وجدت أن هناك 10 آلاف قتيل جراء الحرب في اليمن، من بينهم نحو 3800 قتيل من المدنيين، وتذهب تقديرات مكتب حقوق الإنسان بالأمم المتحدة إلى أن 60% من القتلى المدنيين ضحايا القذف بالطائرات من قبل قوات التحالف الخليجي، كما يقدر عدد المصابين بنحو 30 ألف فرد. ويقدر عدد من اضطروا إلى الهجرة خارج اليمن بسبب الحرب بنحو 200 ألف مهاجر، كما بلغ عدد النازحين بنحو 2.8 مليون فرد. والخسائر البشرية معرضة للزيادة خلال الفترة القادمة، بسبب أن نحو نصف سكان اليمن يعيشون داخل مناطق الصراع.
2- تدهور العملة المحلية: نتيجة أعمال الحرب والحصار توقف النشاط الاقتصادي بشكل كبير، ولم يعد المناخ يساعد على استثمار أو ممارسة أي نشاط اقتصادي آخر، ووفق بيانات البنك المركزي اليمني، فإن سعر صرف الدولار في السوق الموازية بلغ 319 ريال، مقابل 250 ريال في السوق الرسمية، وتعتبر السوق الموازية هي السوق النشطة في ظل أجواء الحرب، فأسعار الدولار قبل الحرب كانت بحدود 214 ريال، أي أن الحرب تسببت في انهيار قيمة الريال اليمني بنحو 50%. ونتيجة لانهيار احتياطي النقد الأجنبي بالبنك المركزي اليمني عن مليار دولار، توقف البنك عن مساندة الواردات للقطاعين العام والخاص، كما يعاني البنك المركزي من ازدواجية في إدارته، من قبل الحكومة الموجودة في عدن والأخرى الموجودة في صنعاء.
3- معدلات الفقر: ساهمت حرب الخليج في زيادة معدلات الفقر، وتتوقف إحصاءات البنك الدولي عند نهاية 2015، حيث قدرت نسبة الفقر في هذا التاريخ بنحو 37.3% من السكان، بحجم إنفاق 2 دولار للفرد في اليوم، إلا أنه وبعد مضي أكثر من عام على نهاية 2015، وسوء الأحوال الاقتصادية نرى أن معدلات الفقر قد تكون تضاعفت. وفي ظل أوضاع الحرب ببلد فقير مثل اليمن، من الظلم أن يقاس الفقر وفق معدل فقر الدخل، فالمناسب هو قياس وفق مؤشر الفقر متعدد الأبعاد، الذي يشمل الحرمان من خدمات التعليم والصحة بالإضافة لفقر الدخل.
4- عجز الموازنة: قدر عجز الموازنة في اليمن بنهاية عام 2015 بنحو 12%، ولكن مع توقف صادرات النفط، وتراجع حصيلة الضرائب والجمارك، فإن عجز الموازنة يتوقع له بنهاية عام 2016 أن يكون قد تجاوز معدلات 2015 بكثير. وزاد من معاناة الموازنة اليمنية أنه مع عدم وجود أمل في إنهاء هذه الحروب أن المساعدات الدولية وبرامج الإقراض التي كانت تمثل ضرورة لوضع الموازنة اليمنية بعد ثورة 2011 توقفت. وفي ظل عجز الموازنة وتراجع قيمة العملة الوطنية، وصل معدل التضخم إلى 30% بنهاية عام 2015، ونحسب أنه تجاوز معدل الـ 50% في نهاية 2016، في ظل استمرار تفاقم الأوضاع الاقتصادية.
في الوقت الذي تستمر فيه الدول الخليجية بحربها في اليمن، تعلن عن دعمها للبنك المركزي اليمني أو مشروعات البنية الأساسية في المناطق التي تسيطر عليها قوات التحالف الخليجي، وكان آخر صور هذا الدعم رصد السعودية لنحو 10 مليارات دولار لمشروعات البنية الأساسية ودعم العملة اليمنية.
ومن غير المنطقي أن تستقيم عملة اليمن المحلية في ظل هذه الحرب المفتوحة، فمهما قدم من أموال لدعم الريال اليمني سيظل في انخفاض أمام باقي العملات الأجنبية لتبعات زيادة الواردات ووقف الصادرات، بل واعتماد من يعيشون في اليمن جميعاً على الخارج من توفير الغذاء والدواء، بل إن السلاح الذي يتحارب به أبناء الشعب الواحد، يتم استيراده من الخارج، وتموله دول الخليج من جهة، وإيران من جهة أخرى.
إذا ما كانت السعودية قد رصدت 10 مليارات دولار لدعم البنية الأساسية في المناطق التي تسيطر عليها قوات التحالف الخليجي، فإن تكلفة هذه الحرب على دول الخليج في العام الواحد قدرتها مجلة “دوتشيه فيله” الألمانية بنحو 30 مليار دولار سنوياً، وبذلك تصل التكلفة في عامين لنحو 60 مليار دولار في المتوسط، ولا تزال ميزانية الحرب مفتوحة. ومثل هذه المبالغ كان بمقدور دول الخليج أن تغير بها وجه اليمن اقتصادياً واجتماعياً لو أنفق نصفها في مجالات الاستثمار وتطوير البنية الأساسية.